تطبيقات تربوية على نظرية الاشراط الكلاسيكي

وعلاوة على ذلك فقد وجد في اكتشافه الجديد طريقة لدراسة الدماغ دون المساس به.

وفي بادئ الأمر أطلق بافلوف على هذه الانعكاسات المكتشفة حديثا اسم إفراز الغدد النفسي (psychic scretions)، ولكنه أبدله فيما بعد بما أسماه الانعكاس المشروط (Couditioned reflex) کی بتجنب ما قد يتضمنه التعبير الأول (إفراز الغدد النفسي) من علاقة بالحياة العقلية للكلاب. والواقع أن تعبير الانعكاس الإشراطي (وهو ترجمة للتعبير الإنجليزي)

conditioned ) ( Reflex ينطوي على بعض الخطأ نتيجة الترجمة من اللغة

الروسية إلى اللغة الإنجليزية ولربما كانت الترجمة الدقيقة للتعبير الروسي الأصلي الانعكاسات الشرطية conditional reflexes مما يشير إلى الانعكاس يوجد تحت شروط معينة وانه مشروط بارتباطه مع المثير غير الشرطي (م غش) أو باعتماده على هذا المثير.

وأحد ملامح هذه الانعكاسات المشروطة المكتشفة حديثا والتي حظيت من بافلوف بأكبر الاهتمام هي أن الاستجابات المشروطة التي كان يراقبها كانت حوادث خاصة بقشرة الدماغ ولم تكن حوادث تتعلق بما تحت هذه القشرة.

وهذا أدى به إلى إدراك أنه اكتشف طريقة لفحص ما أسماه «بالنشاط العصبي الأعلى،»

وبعد ذلك اتجه بافلوف لوضع إجراءات من شأنها أن تنتج الاستجابة اللعابية المشروطة بصورة مؤكدة.

فقد وضع كلبا في جهاز للتجارب (انظر الشكل او 2) وسمع لهذا الكلب بأن يتعود على الجو المحيط به ومع الجهاز. وبعد أن تأقلم الكلب مع ظروف التجربة قام بافلوف بتشغيل بندول إيقاع وجعل هذا البندول يدق مرة لمدة نصف دقيقة وفي هذا الوقت كان يوضع مسحوق اللحم في فم الكلب حيث يؤدي ذلك إلى إفراز اللعاب وأعيد تكرار هذه العملية بصورة مستمرة مرة كل خمس عشرة دقيقة حتى أخذ العاب الكلب يسيل خلال فترة نصف الدقيقة قبل تقديم المثير غير الشرطي (مغ ش) (أي مسحوق اللحم) الذي أشار إليه على أنه التعزيز بالإضافة إلى تسميته المعروفة بالمثير غير الشرطي، كما أطلق على صوت

وبعد أن تأكد بافلوف من ثبات أو دقة إجراءاته المختبرية بدأ بدخل تنويعات على تجربته الأصلية ويجدر بنا أن نتذكر أن بافالوف كان مخلصا كل الإخلاص لفهم السلوك عن طريق محاولة فهم وظائف أعضاء جسم الكائن الحي، وأن التعلم لما يكن موضع اهتمامه الحقيقي. والواقع إن بافلوف نفسه لم يكن متحمسا كثيرة لاستخدام أفكاره في خدمة علم النفس، وأنه ظل يؤمن بأن تجاريه هي دراسة فسيولوجية خالصة للعمليات الدماغية، والجدير بالذكر أن طريقته الاشراطية لم تكن تسمح بإجراء أي قياس مباشر لما يجري في الدماغ مثل الكثير من الدراسات الأخرى المعاصرة التي تستخدم أساليب الإثارة الجمجمية الداخلية (16) إذ كان يعتقد أنه من خلال مراقبة المثير والاستجابة يمكن إيجاد طريقة الفحص العمليات الدماغية المتداخلة. وتميل نظرية بافلوف الدماغية إلى الاعتقاد بأن المثير الشرطي (م ش) يحدث أولا ولذلك فهو يثير النشاط في مراكز الجوع في الدماغ. وهذا بدوره يجذب» المثير الشرطي في طريق فتح ممر عصبي جديد. وحالما يتم ذلك فان المثير الشرطي يصبح مثيرة بديلا-وهو مشكلة لا تزال مثار جدل ومثيرة لمراكز الجوع. ومع ذلك فالمعروف أن بافلوف كان يجد من الضروري أن يقدم المثير الشرطي قبل

المثير غير الشرطي وان هذه العلاقة الزمنية كانت تبدو له علاقة هامة ولكي يحل ما قد يبدو في هذا الأمر من تناقض فقد اقترح بافلوف نظرية إشارة كانت يعتقد أنها تقدم تفسير منطقيا لمعطياته الاشراطية ونظريته اللحائية

والأفكار الرئيسية في نظرية بافلوف الفسيولوجية تتمحور حول عمليتين من عمليات الدماغ اسماها التنبيه أو الاستثارة والكف (انظر المفاهيم الأساسية السابقة)، وقد اقترح عدة أنواع من أنواع الكف كان يعتقد أنه يمكن تفسيرها بالرجوع إلى متغيرات مختلفة. فالكف الخارجي معناه إن ثمة عاملا خارجيا من عوامل البيئة قد صرف انتباه الكلب بصورة مؤقتة وبالتالي نتج عنه نقص في الاستجابة الشرطية. أما الكف الداخلي فيحدث نتيجة للتغيرات التي تحدث على إثارة المثير الشرطي. وقد حدد بافلوف أربع من أنواع الكف الداخلي هي – الانطفاء :(Extinction) (انظر الشكل رقم 2

/ 3) وينتج من تكرار محاولات تقديم المثير الشرطي غير المصحوبة بالتعزيز

امثلة على نظرية الاشراط الكلاسيكي

 ومبدأ التنبيه مضاد لمبدأ الكف الذي يعني فشل مثير سبق أن تمت عملية إشراطه في استدعاء مثير غير شرطي مما يؤدي إلى انطفاء الاستجابة الشرطية. ويعتقد بصورة عامة أن ذلك يعني أن المثير الذي سبق إشراطه لا يكون قد فقد أو نسي بل أن الكائن الحي يقوم بكف الاستجابة الشرطية بصورة نشطة عندما يقدم له المثير الشرطي،

ومع أن الكف يبدو في مظهره وكأنه عدم نشاط الكائن الحي فإن الكثير من الباحثين يعتقدون بأنه جانب من أكبر جوانب الإشراط أهمية لأنه يعني بصورة ما أن الكائن قد تعلم كيف يحول دون المدخلات الحسية قبل أن تصل إلى مرحلة التعزيز.

تعميم المثير:(Stimulus generalization) في مراحل الإشراط الأولية قد تستجيب الكائنات الحية لعدد من المثيرات بطريقة واحدة في أساسها وعلى سبيل المثال فقد يسيل لعاب الكلب لعدة أنغام تشبه في إيقاعها النغمة التي يحدث الإشراط عند سماعها فالكلب لا يميز بين مختلف الأنغام في مراحل الإشراط الأولية، بل يحدث بدلا من ذلك ما يسمى بانتشار الأثر أي أن الكلب يستجيب لعدد من المثيرات المتشابهة في طبيعتها دون أن يكون قادرة على الانتقاء السليم فيما بينها . وهذا ما يطلق عليه اسم تعميم المثيره، وكمثال على ذلك فان الإنسان الذي تلسعه نحلة ينظر إلى جميع الحشرات وكأنها قادرة على إحداث الألم الذي تسببه النحلة

ويحدث الشيء ذاته في التجارب المختبرية إذ نجد أن الكائنات الحية في مراحل الإشراط الأولى تستجيب للمثيرات التي تشبه المثير الشرطي الأصلي بطريقة تشبه إلى حد كبير استجابتها لذلك المثير الشرطي الأصلي. وبمرور الوقت تصبح هذه الاستجابات انتقائية أكثر فأكثر حتى تصبح في معظمها استجابات للمثير الشرطي الأصلي، وتستجيب بصورة أقل إلى المثيرات التي لا تشبه كثيرأ هذا المثير الشرطي الأصلي. وبصورة عامة يمكن أن يقال أنه كلما ازداد التشابه-82- بين المثيرات الأخرى والمثير الشرطي كلما ازداد احتمال استدعاء هذه المثيرات للاستجابة الشرطية

التمييز :(Discrimination) عندما تبدأ عملية الإشراط في التكون بأخذ الكائن الحي في التمييز بين المثيرات المناسبة والمثيرات غير المناسبة ومن خلال هذا التمييز يأخذ في الاستجابة بصورة انتقائية المثيرات معينة ويفشل

في الاستجابة للمثيرات غير المعززة أو أنه يكف استجابته للمثيرات غير المعززة ويمكن تصور مفهوم الإشراط بأنه تلك العملية التي ينتصر فيها التمييز والكف في نهاية الأمر على الاستجابة المعممة وبالتالي فان عمليتي التمييز والكف تتعارضان مع الاستجابة العامة غير الخاصة

وبصورة عامة فقد وجد أنه كلما أمكن تمييز الإشارة الخاصة كلما أمكن للكائن الحي التعرف عليها والانتباه إليها وبالتالي أمكنه تعلمها بطريقة أسرع.

الانطفاء: (Exitinction) لما كان من الضروري للكائنات الحية أن تتعلم الارتباطات بين الأحداث المعززة للتعلم من جهة والبيئة التي تحدث فيها والطرق المناسبة لهذه الاستجابة لهذه الأحداث من جهة أخرى، فمن الضروري لهذه الكائنات كذلك أن تتعلم التوقف عن الاستجابة للمثيرات التي لم تعد قادرة على إعطاء التعزيز: ويطلق على هذه الظاهرة اسم الانطفاء، فالانطفاء يعني ببساطة انه عندما يعطي مثير شرطي بصورة متكررة ولا يعقبه المثير غير الشرطي فان الاستجابة لهذا المثير (أي المثير الشرطي) تتوقف في نهاية الأمر.

نظرة تاريخية

البداية

ولد ايفان بافلوف في الرابع عشر من سبتمبر لعام 1849. وكان والده قسيسا روسيا، التحق بافلوف بمدرسة الكنيسة في بادئ الأمر ثم بمعهد لاهوتي لإعداده لمنصب قسيس ومع أنه كان طالبا حسنا إلا أنه كثيرا ما كان يحصل على درجات قليلة في «السلوك، وفي الوقت الذي اقترب فيه من اختتام دراسة اللاهوت بدأ يبدي اهتماما بالجهاز الهضمي وطريقة عمله وقد غيرت صورة الجهاز الهضمي في كتاب فسيولوجيا الحياة العامة۱۹) حياته إذ تخلى عن فكرة أن يصبح قسيسا وبدأ تدريبه في المجال

العلمي

وبعد أن درس بافلوف في جامعي القديس بطرس التحق بالأكاديمية الطبية العسكرية كي يصبح مجربا (مسئولا عن القيام بالتجارب)، ونشر أثناء ذلك أول بحث له عن تأثير الأعصاب على العضلات في القلب وقد

كان البحث العلمي الهام وسيلة مفيدة له في الحصول على درجة الدكتوراه في الطب، وطور بافلوف فيما بعد عملية أصبح من الممكن بموجبها تتبع عملية الهضم في الكائنات الحية دون إتلاف أعصاب الجهاز الهضمي ونال بافلوف جائزة نوبل عام 1904 مكافأة له على هذا الإسهام العلمي وفي أثناء الثورة الروسية تعرض بافلوف لأوقات عصيبة ولكنه تابع أبحاثه في معمله على الرغم من عدم وجود تدفئة كافية في بعض الأحيان. أما في الفترة الأخيرة من حياته فقد جعل من دراسة الدماغ شغله الشاغل وكزس الكثير من الجهد لمحاولة فهم نشاط الدماغ.

وكان لبافلوف اهتمامات أخرى متعددة مثل الأدب والعلم والفلسفة وكانت مكتبته تضم مئات المجلدات كما كان يهوى جمع الطوابع ويحتفظ بمجموعة من نماذج الأعشاب المجففة ويحب الموسيقى والعناية بالحدائق ويحب السباحة في شهور الصيف حبا جما . واتبع بافلوف نظاما صارما ومحسوبا في حياته اليومية في حين ظل على نشاطه وحيويته الدائمين . وطوال حياته ظل يعشق البحث العلمي، وتشجيع زملائه وأقرانه على معارضته، ومن بين الوسائل التي كان يتبعها بافلوف للحصول على التغذية الراجعة وردود فعل زملائه على أفكاره العلمية التفكير بصوت عال فيما كان يجريه من أبحاث وفي حضور هؤلاء الزملاء

وعمل بافلوف مديرا للمعمل الفسيولوجي في معهد الطب التجريبي بجامعة القديس بطرس في الفترة من عام 1890 وحتى وفاته عام 1936. ومن خلال دراسته للجهاز الهضمي قام بتصميم جهاز يمكن بواسطته مراقبة كمية اللعاب السائل من فم الكلب عندما يوضع الطعام في فمه مراقبة مباشرة. وحوالي عام 1902 لاحظ بافلوف أن الكلاب التي يجري عليها تجاربه كانت تبدأ بإفراز لعابها بمجرد رؤيتها للحارس الذي يقدم لها الطعام، بل وحتى بمجرد سماعها لخطوات قدميه قبل أن يصل الطعام إلى أفواهها فعلا. وأدرك بافلوف أن رؤية الحارس لم تكن المثير الطبيعي للانعكاسات اللعابية ولكن رؤية الحارس قد أصبحت من خلال تعود الكلاب

على ذلك المؤشر الإشارة أو العلامة cue التي تستهدي بها على قرب وصول الطعام، وسرعان ما أدرك بافلوف أنه اكتشف ظاهرة لا بد أن يكون لها أهمية قصوى في مساعدة الكائن الحي على التكيف مع ظروف بيئته

أضف تعليق